« مع ازدياد ظاهرة « تخضير » صابة التمور وازدياد عدد المعامل أصبحنا نفضل أن نقوم بفرز التمور في المعامل بأجر زهيد على البطالة والبقاء في المنزل « ، بهذه الكلمات حدثتنا إحدى العاملات وهي في طريقها إلى المعمل في ساعات الصباح الباكر من أحد أيام شهر رمضان.
يعد العنصر النسائي في قبلي احد الاعمدة الهامة التي تقوم عليها مختلف حلقات التصدير .
ومهما كان حجم الصابة تؤمن النسوة عملا يدويا شاقا يتصل خاصة بالفرز في معامل تصدير التمور التي يفوق عددها الثلاثين مصنعا.
يؤمن النسوة عملية فرز التمور اما في بيوتهن أو داخل معامل التصدير المنتشرة في كامل الولاية.
شرط وحيد لحجز مكان كعاملة في الفرز
تفتح معامل التمور بقبلي أبوابها للنساء من كافة الأعمار والفئات فهن اما تلميذات وطالبات واما ربات بيوت ومتقدمات في السن وحتى في بعض الاحيان من حاملات الاعاقة.
فما إن تدخل أحد هذه المعامل حتى تقع عيناك على فسيفساء من الفئات العمرية للنساء، « فلا وجود لأي شروط عمرية لتدخل للعمل « ، هكذا صرحت المشرفة على العملات أمل(اسم مستعار) في احد معامل سوق الأحد » فقط الشرط الوحيد هو أن تجيد العاملة عملية الفرز »وفي حالة عدم إتقانها بإمكانك، تقول أمل، أن تجرّبي ذلك لمدة يومين وتراقبين النساء فإن تعلمتي فمرحبا بك بيننا وإذا استعصى عليك الأمر، يمكنك أخذ أجرك مقابل كمية التمر التي قمت بفرزها ».
ظروف عمل صعبة دون حماية أو رقابة
تتم عملية الفرز على طاولات مرتفعة دون كراسي مناسبة مما يدفع العاملات لاتخاذ الصناديق البلاستيكية المخصصة للتمور مقاعد بدل الوقوف لساعات طويلة.
رغم أجسادهن الهزيلة ودون أية مساعدة تقوم العاملات بحمل صناديق التمور التي يصل وزنها إلى 5 كيلوغرام مما تسبب لبعضهن في مشكلات صحية بحسب تأكيدهن.
ساعات عمل متواصلة مع استراحة غداء لا تتجاوز نصف ساعة، أجور زهيدة مقابل جهد كبير تقدمه العاملات .
في الاثناء فان نظام الاجر تحدده الكمية التي تم فرزها في اليوم حيث يقدر اجر فرز 1 كلغرام من التمور بــ 1700 مليم.
رحاب(اسم مستعار) 33 سنة، متحصلة على الإجازة في التاريخ، تطوعت سابقا في بعض الجمعيات عساها ان تجد عملا يليق بمستواها لكن دون جدوى، ومع حلول موسم جني صابة التمور أرادت الالتحاق بأحد هذه المعامل بدل المكوث في المنزل . ورغم أنها تعاني من آلام سابقة في الظهر عملت رحاب لمدة شهرين، كانت تتجنب حمل الصناديق لوحدها وغالبا ما تطلب المساعدة من إحدى العاملات.
وتمضي رحاب في سرد حادثة حصلت لها في العمل: « في يوم قدمت باكرا ولم تكن هناك غير امرأتين كبيرتان في السن إحداهما لا تستطيع المشي جيدا يصطحبها ابنها صباحا ويعود ليأخذها مساء دون أن تتحرك من مكانها. ولعدم وجود غيرنا في المعمل طلبت مني أن أجلب لها الصندوق وما إن رفعته حتى أحسست بآلام شديدة في ظهري وقدماي مما جعلني أرمي الصندوق وأقف دونما حركة ».
تتابع وهي متألمة: « بقيت على هذه الحالة نصف ساعة بعدها غادرت إلى المستشفى، لأكتشف بأنني تعرضت لتمزق عضلي خطير وأنه يمنع عليّ حمل أي شيء ثقيل من هنا فصاعدا »، بهذه الكلمات وبدموع في عينيها عبرت رحاب عن تجربتها التي وصفتها بالتعيسة في معمل التمر محملة صاحب المعمل وموظفيه مسؤولية مع حصل حيث لم تتوفر لها ادنى اشكال التغطية الاجتماعية والصحية.
عدم رضا لدى الهياكل المهنية والقانونية
رئيس وحدة المراقبة بتفقدية الشغل بقبلي السيد مازن يعقوب أكد أن العمل في قطاع التمور بقبلي يعاني من قلة الانتظام واصفا ذلك بالعائق أمامهم كمتفقدي شغل في تطبيق القانون، حيث أشار الى أن أغلبية العاملات في معامل تكييف وتصدير التمور لا يعتبرن هذا النشاط مهنة قارة.
كما صرّح بأنّ رفض تسوية الوضعية القانونية مع صندوق الضمان الاجتماعي يأتي غالبا من النساء العاملات لأسباب ذكر أهمها وهي رغبتهن في العمل الموسمي فقط، أو عدم تغيير الصبغة القانونية للحيطة الاجتماعية داخل صندوق الضمان الاجتماعي فأغلب الحالات التي عاينها حسب قوله تعود لنساء وفتيات من العائلات العاملة بالخارج.
وأكد مازن يعقوب أنّ التفقدية تٌلزم أصحاب المعامل بتوفير ظروف عمل مناسبة كتوفير الكراسي الملائمة وغرف تغيير الملابس، مشيرا إلى أنّ معامل تكييف وتصدير التمور تخضع لراقبة لجان التصدير والحماية المدنية والديوان وبعض الوزارات كوزارة التجارة التي تقوم بمراقبتها سنويا حيث تعاين ظروف العمل وحالة المباني وطريق الطوارئ…
من جهتها تتابع التفقدية مشاكل الأجور حيث أكد رئيس وحدة المراقبة أن أغلب التشكيات التي تأتيهم تهمّ المستحقات المالية وعدم الخلاص فقط،لافتا إلى أنّ أغلب هذه القضايا تأتي من عاملات في مراكز تجميع وفرز التمور المنتشرة بشكل عشوائي وخارج الأطر القانونية حسب تعبيره.
وأفاد في هذا الصدد بأنّ التفقدية قامت برفع قضايا شغلية وإحالتها إلى إدارة الشغل وتم تقديم شكوى انتهت أغلبها بخلاص المستحقات.
كما أكّد أنّ أغلب معامل تصدير التمور التي يتجاوز عددها الثلاثين والتي تتمتع برخص قانونية ، يلتزم اغلبها بخلاص الأجور وفق الأجر الأساسي الأدنى والمضمون وهو 600 دينار في الشهر أي 20 دينارا في اليوم حسب ما تضبطه الاتفاقية المشتركة القطاعية لمعامل المصبرات وشبه المصبرات الغذائية وتعليب الزيوت الصادرة في 01 جوان 2019 والملحق عدد1 في ترتيب العمال في الصناعات الغذائية.
وصرّح رئيس مجمع طب الشغل بقبلي السيد عبد الله مكشب بأن عددا من معامل تصدير التمور غير منخرطة في مجمع طب الشغل في حين أن البقية المنخرطة لم تصرح أغلبها بعدد العاملات أو لا تلتزم بمرور العاملات على مصلحة طب الشغل لإجراء الفحوصات اللازمة التي تضمن سلامتهن. وأكّد أنّ المجمع يقوم بزيارات ميدانية توعوية لمعامل تصدير التمور قصد دعوة أصحابها للانخراط من جهة وتوعية العاملات بحقهن في اجراءات الفحوصات اللازمة وحقهن في الحماية الصحية من جهة أخرى.
من جهتها أشارت رئيسة مصلحة المرأة بمندوبية المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بقبلي السيدة عواطف الشايبي الى ان العاملات في معامل تصدير وكذلك مراكز فرز التمور يعين تماما بوضعيتهن الهشة وكذلك بالاستغلال المادي اللاتي تتعرضن له.ووصفت ظروف عملهن بغير المريحة وبأنهن لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية كما أشارت بأن ساعات العمل تعتبر طويلة حيث أن ساعات الراحة تكاد تكون منعدمة حسب تعبيرها حيث شهدت على فترة راحة لا تتجاوز 15 دقيقة مقابل 8 ساعات من العمل المتواصل.
كما أوضحت أن بعض النساء العاملات متعايشات مع وضعيتهن وغير مستعدات لترك أو تغيير هذه الوضعية لأنهن مجبرات على العمل باعتبارهن العائل الوحيد لعائلتهن حيث يفضلن الأجر الزهيد وظروف العمل الصعبة على البطالة.
وأكدت عدم تجاوب ارباب العمل مع تدخلات المندوبية في تحسين ظروف العمل أو رفع الأجور معللين ذلك بأنهم « يساعدون الدولة في توفير موارد رزق » حسب تعبيرهم.
وذكّرت عواطف الشايبي بأن المندوبية لم ولن تتخلى عن النساء العاملات مهما كانت مشيرة إلى تمكين عدد من النساء العاملات في معامل التمور من بعث مشاريعهن الخاصة ضمن برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في المناطق الريفية.
من جهته وصف رئيس جمعية « رؤية للمواطنة والتنمية المستدامة بقبلي » أنور بالحبيب وضعية النساء العاملات بمعامل تكييف التمور بالهشة مؤكدا أنّ الجمعية تعمل على رفع الوعي لدى العاملات بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية التي يفترض ان تتمتعن بها من خلال حملات تحسيسية وزيارات ميدانية تقوم بها الجمعية في إطار مشروع « نبض الواحة » الممول من السفارة الألمانية بتونس والذي يهدف كذلك إلى دفع العاملات للانخراط في المنظومة الاجتماعية مما يؤدي إلى ضمان حقوقهنّ في ظروف عمل ملائمة وحفظ سلامتهن الصحية وحصولهن على أجور مناسبة.
رغم إجماع المؤسسات العمومية وعدد من الجمعيات وكذلك المنظمات على الوضعية الهشة وظروف العمل الصعبة للنساء العاملات في معامل تكييف وتصدير التمور، ورغم تضافر الجهود لتحسيس العاملات بضرورة المطالبة بحقوقهن من جهة ودعوة المؤجرين للالتزام بالقانون وتوفير ظروف عمل أفضل وأجور مناسبة من جهة أخرى، مازالت معاناة العاملات في معامل ومراكز تجميع وفرز التمور متواصلة.
بقلم: مبروكة شلشول
عمل صحفي انجز في اطار اتفاق تعاون بين اذاعة قفصة وبرنامج مراسلو الديمقراطية المحلية.