البث الحي

الاخبار : متفرقات

1567496074_article

أيام قرطاج السينمائية 2019: فيلم « قيرة » للفاضل الجزيري…عندما تدار السياسة في الغرف المظلمة تحاك الدسائس وتعم الفوضى

بعد فيلم « ثلاثون » الذي تمّ عرضه في اختتام أيام قرطاج السينمائية دورة 2008 وفيلم « خسوف » الذي عرض ضمن فعاليات الأيام في دورة 2016 خارج المسابقة الرسمية، عاد المخرج السينمائي الفاضل الجزيري ليسجل حضوره مجددا في هذه التظاهرة السينمائية، بفيلمه الروائي الطويل « قيرة » الذي تم تقديم عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة يوم الأحد المنقضي بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة.
يحكي فيلم « قيرة » في 115 دقيقة رحلة داعية اسمه « بوزيد » ادعى محاربة الظلم وتحول إلى طاغية متعطش للدماء. وهذه الشخصية هي انعكاس لقصة أبي يزيد بن خويلد الكدادي المعروف باسم « بوزيد صاحب الحمار ». ولكن الجزيري أخرجها من ثوبها التاريخي ليؤقلمها مع طبيعة الواقع التونسي الراهن.
ويشارك في أحداث هذا الشريط ثلة من الممثلين التونسيين على غرار طاهر عيسى بالعربي وسامي نصري وسارة الحناشي وآمنة الجزيري ومعز بن طالب وعلي الجزيري ومحمد كوكة وأكرم بوقرين وهيثم الحضيري.
// صور قاتمة ومشاهد عنيفة
للتعبير عن معنى « القيرة » أو « الحرب » يلاحظ المشاهد اهتماما بالغا من المخرج بالصور والمشاهد في الفيلم، فهي بدت قاتمة سوداوية لتجسد معاني الحرب بمختلف ملامحها الدامية من عنف ورعب وتعذيب مادي ونفسي ومأساة إنسانية.
وقد لعب المخرج في الصورة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد، وقد شكلتهما النوافذ والممرات داخل الكهوف والأماكن المغلقة وفي الممرات، لتبرز الممارسة السياسية البشعة من ناحية، ومن ناحية أخرى لتسلط الضوء على المؤامرات والدسائس التي تحاك في هذه الغرف المظلمة إلى حد ممارسة كل أشكال التعذيب على الآخر من أجل البقاء في السلطة.
كما لعبت الصورة القائمة على ثنائية الضوء والظلمة دلالات أخرى في الفيلم، فالظلمة موظفة بإحكام لتعبر عن الظلم والاستبداد والطغيان والفقر، وأما الضوء فهو فسحة أمل للتخلص من الاستبداد وللتحرر والانعتاق.
وليست قتامة الصورة وحدها معبرة عن معنى « القيرة »، إذ غابت المشاهد العامة عن الفيلم، أو اللقطات البعيدة كما يصطلح تسميتها في لغة التقنية السينمائية، واقتصرت على المشاهد القريبة حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني الحرب ورمزيتها من عنف وقتل ودماء ودمار وفوضى.
// الأماكن والتاريخ والشخصيات وعلاقتها بالواقع
تدور أحداث « القيرة » في ثلاثة أماكن لها رمزيتها هي « معلم القصبة » بالكاف الذي شيده العثمانيون سنة 1600 ميلادي و »مائدة يوغرطة » ذاك المرتفع الذي احتمى به القائد النوميدي يوغرطة من الرومان، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان ورمزية هذه المدينة كمهد للحضارة الإسلامية. وأما الزمان فهو الواقع التونسي الراهن وتجلى ذلك من خلال ملابس الشخصيات والأسلحة المستخدمة والسيارات العصرية ووسائل الاتصال الحديثة والرقمية كالهاتف الجوال والأنترنات.
وأوجد الفاضل الجزيري الخيط الرفيع بين هذه الأماكن برمزيتها التاريخية والشخصيات وقصة « ثورة صاحب الحمار » في تشابه الأحداث والشخصيات مع الواقع الحالي، فأسباب قيام ثورة صاحب الحمار وتداعياتها أوردها المخرج في حركة تقاطع إلى حد ما مع أسباب قيام ثورة 2011، ولذلك ينبع الفاضل الجزيري من فشل ثورة 2011 كما فشلت ثورة صاحب الحمار. ويحذر من « ديكتاتورية الإسلام السياسي » في إخماد الثورة التونسية.
لقد وظف المخرج اللقطات القريبة في الفيلم ليغوص في أعماق الشخصيات ويبرز بشاعتها في إدارة شؤون الدولة التي تحكمها المصالح الذاتية الضيقة، وتوزع فيها المناصب استنادا إلى القرابة الدموية لا إلى الكفاءة وفيها أيضا استغلال لأجهزة الدولة وتوظيف لقضائها. وهي من عوامل استشراء الفساد والسرقة وغياب العدل وانتشار الظلم وتفاقم الفقر والجوع.
والصراع بين شخصيات « القيرة » نوعان: الأول بين السياسيين والشعب المطالب بالعيش الكريم، والصراع الثاني بين الأطياف السياسية الحاكمة التي تحيك الدسائس لبعضها البعض للانفراد بالسلطة. ففي السلطة لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الحفاظ على الحكم قد يضحي الحاكم بأقرب الناس إليه وهم أبناؤه.
حضور المرأة في هذا العمل جاء محملا بالدلالات العميقة والرسائل المباشرة، فقد خلصها الجزيري من القيود الذكورية المسلطة عليها، فبدت الشخصيتان الرئيسيتان آمنة الجزيري وسارة حناشي أكثر عنفا حتى من الرجال أنفسهم، تحيكان الدسائس وتتلاعبان من أجل الحصول على منافع ذاتية، فلا مكان للحب وللقيم الإنسانية في السلطة. ولكن النقطة المضيئة في المرأة هي أن المخرج جعل شخصية الحاكم الديكتاتور « بوزيد » يلقى حتفه على يد امرأة، لتنطلق على إثر ذلك حياة سياسية جديدة قد يلقى الحاكم فيها المصير نفسه إذا طغى وعاث فسادا.
وكان الفاضل الجزيري قد أكد خلال تقديم الفيلم في عرضه الثاني، مساء الاثنين بقاعة « أ.ب.س » بالعاصمة، على أن عدم نجاح مسرحية « صاحب الحمار » التي أخرجها بعد الثورة جعله يفكر في تحويل هذا النص المسرحي إلى عمل سينمائي، وإعادة كتابتها وفق مستجدات العصر، مشيرا إلى أن العلاقة بين « ثورة صاحب الحمار » قديما والثورة التونسية الحديثة هي علاقة تشابه في الأسباب وتقارب في النتائج. وحذر من عودة الديكتاتورية تحت غطاء ديني لإخماد أهداف الثورة ودوافعها الحقيقية.

المصدر: وات

بقية الأخبار

ريبورتاج فيديو

podcast widget youtube

الميثاق-التحريري

برامج وخدمات

tmp111

tmp222

تابعونا على الفيسبوك

أحوال الطقس

الميثاق

مدونة-سلوك

radio gafsa