البث الحي

الاخبار : أخبار وطنية

14 جانفي عيد الثورة و الشباب

الذكرى الثامنة لثورة 14 جانفي : الانتقال الديمقراطي بين جسامة التحديات وتعثرالمسار

يحيي التونسيون هذه الايام الذكرى الثامنة لثورة 17 ديسمبر 14 جانفي ، ومازالت التجربة الديمقراطية الوليدة تطرح التساؤلات الكثيرة بخصوصها، لتعثر مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه البلاد والتحديات التي يواجهه.

ولئن تجمع أغلب القوى الحية والفاعلون السياسيون على أن الثورة التونسية مثلت فرصة تاريخية لتحقيق تحول لا ديمقراطي فقط بل حضاري شامل  » ، فان « عوائق كثيرة وهزات عديدة حالت دون ذلك الى حد الان » وفق الأستاذ الجامعي الباحث في الفلسفة الحديثة حمادي بن جاب الله ، فماهي أهم الأسباب التي ساهمت في تعثر هذا المسار الانتقالي الى حد اليوم ؟ وما هي التحديات التي تهدد هذه التجربة ؟

« الانتخابات الحرة والشفافة وحرية التعبير  » لا تكفي وحدها لبناء ديمقراطية ولا يمكن باي حال من الأحوال أن تؤسس لديمقراطية حقيقية، وفق أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد ويمكن اعتبار اقرار دستور 2014 لنظام سياسي شبه برلماني، أبرز ما يثير الجدل بالساحة السياسية في السنوات الأخيرة ، وهو ما سبب أزمة سياسية متواصلة، وتجاذبات حول صلاحيات كلا المؤسستين التنفيذيتين، مما أربك العملية السياسية بمجملها.

 النظام السياسي

بعد أربع سنوات من انطلاق العمل بهذا النظام السياسي (شبه البرلماني) ، يعتبر بن جاب الله أن هذا النظام ، فشل الى حد اليوم بجميع المقاييس، اذ كرس تشتت القوى وأجهزة الدولة وعطل كل امكانية لحلحلة الأوضاع، دون تحديد واضح للمسؤوليات.

ويستنتج أن هذا النظام السياسي كرس تفكيكا لأجهزة الدولة متسائلا ، عن امكانيات وصلاحيات رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة والبلاد وأجهزتها معطلين.

من جهتها تعتبر سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري ، أن هندسة هذا النظام على الورق في الدستور لم تكن الأفضل في تحديد الاختصاصات بين رأسي السلطة،حيث تركت مناطق رمادية ومنها بالخصوص الصلاحيات والمسائل المتعلقة ب »التشاور » التي لا يوجد تفسير قانوني واضح لها مما ترك اختلافا وتنازعا حول الصلاحيات وهو أمر وعت به الجهات التي اعدت الدستور مما جعلها تقر مسألة الاحتكام الى المحكمة الدستورية للفصل في النزاعات مشيرة في هذا الصدد الى الجدل الذي رافق اقرار اخر تحوير وزاري والأزمة التي سببتها هذه الخطوة بين قرطاج والقصبة.

الأحزاب السياسية

منذ 2011، تحصل أكثر من 200 حزب سياسي على تأشيرة العمل القانوني، ورغم ذلك فان لا أثر لأغلبها في الساحة، كما لم تلتزم جلها بالضوابط والقوانين المنظمة للعمل الحزبي وفق التقارير الدورية لدائرة المحاسبات ووزارة العلاقة مع المجتمع المدني والهيئات الدستورية وحقوق الانسان المشرفة على هذا الملف، واتسم فعلها بالتشتت والانقسامات والتغيير المفاجئ للمواقع والسياحة الحزبية.

وتمثل الأحزاب السياسية وفق سلسبيل القليبي أهم عوامل تعطل التحول الديمقراطي بالبلاد فقد اعتبرت أن المشكلة تكمن في الأحزاب في حد ذاتها ، فهي غير ديمقراطية في هياكلها ، مما أدى الى تفكك العديد منها وأدى الى استفحال الأزمة السياسية بين رأسي السلطة في البرلمان.

ووفق استاذة القانون فان غياب الديمقراطية صلب الأحزاب ، وعدم انتخاب قياداتها أثر على المؤسسات السياسية ، مشيرة الى مثال رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان من المفترض أن يكون قياديا بحزبه لتولي هذا المنصب كما يذهب لذلك النظام الديمقراطي مضيفة ان الوضع الحالي هو « ان رئيس الحكومة ليس بقياديا في حزبه ولا يمثل هياكل الحزب الفائز بانتخابات 2014  » وهو ما ساهم في الأزمة السياسية بالبلاد وخاصة في ما يتعلق بعمل البرلمان والاصلاحات الكبرى.

من جانبه انتقد حمادي بن جاب الله بشدة واقع العمل الحزبي في تونس، اذ اعتبر ان الأحزاب غير مؤهلة للحكم بما فيها احزاب المعارضة ، باعتبار غياب الكفاءة صلبها وهو ما أربك وعطل كل مجهود لانقاذ البلاد. ويقول بن جاب الله  » ان تسيير الدولة لا يمكن بحال من الأحوال أن يشبه تسييرا لشركة « .

 الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية

دخلت البلاد اخر دورة في المدة البرلمانية الحالية، ومازال مجلس نواب الشعب لم ينجح في تركيز أغلب الهيئات الدستورية او ارساء المحكمة الدستورية، وفي هذا الخصوص نبه الصادق بلعيد من مخاطر عدم تطبيق ما جاء به الدستور التونسي بخصوص استكمال المؤسسات الدستورية، وهو ما أدى الى ممارسات صورية للديمقراطية الى حد الان وفق توصيفه.

من جهتها ترى سلسبيل القليبي أن المدة النيابية تقترب من الانتهاء ولم يتم استكمال تركيز الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية مما يجعل الانتقال الديمقراطي هشا ويمكن أن يتعرض لانتكاسات خطيرة ، كما حصل ذلك في عدد من التجارب،معتبرة ان أهم أدوار هذه الهيئات والمحكمة الدستورية وتركيزها، هو دعم الديمقراطية وحمايتها.

ويعمق هذا الوضع وفق القليبي التجاذبات والجدل السياسي، خاصة في مسائل الفصل في صلاحيات كل من رئاسة الجمهوروية ورئاسة الحكومة التي لم تتضح الى الان لغياب المحكمة الدستورية المخولة وحدها لذلك.

التوافق الهش

رغم فك الارتباط و »التوافق » بين حركة النهضة وحركة نداء تونس، مع انطلاق السنة السياسية الحالية التي ستنتهي بالاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي، فان تداعيات هذا التوافق مازالت تخيم على الواقع السياسي وتؤثر بشكل كبير في الانتقال الديمقراطي الذي تمر به البلاد وفق مختلف المتابعين والفاعلين السياسيين.

وينتقد الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري، ما أفرزته « الديمقراطية الصورية »، من ممارسات غير ديمقراطية ومنها التوافق ، معتبرا أن التوافق لا يمكن أن يكون ايجابيا الا اذا بني على ضوابط واضحة لا ان يتم  » تحت الطاولة ».

ويذهب حمادي بن جاب الله الى أبعد من ذلك، اذ يرى أن الدولة « تستعيد اليوم أنفاسها بعد أن تم فض التوافق « ، مشيرا الى أن هذا التوافق لا يمكن أن يبنى الا من أجل العمل على تحقيق اهداف الثورة الوطنية لا العكس.

وتفسر سلسبيل القليبي تعطل تركيز المؤسسات الدستورية والاصلاحات الكبرى التي كان من المفترض الانطلاق فيها ، الى هذا التوافق الذي هيمن على المشهد السياسي لأربعة سنوات متواصلة، قائلة انه بني على « المحاصصة » وهو ما جعل مؤسسات الدولة والاصلاحات محل تجاذب و »قسمة » بين المتوافقين مما عطل كل شكل من أشكال الاصلاح.

العملية الانتخابية 

في هذه المسألة، يعتبر الصادق بلعيد أن الدستور أقر التشاركية نصا ولكنها ظلت مبدأ لم يتجسم على أرض الواقع، مشيرا الى أن اختصار مبدأ التشاركبية في استدعاء المواطنين للمحطات الانتخابية ومشاركتهم في التصويت ، أدى الى فشل هذه العملية.

ويستدل بلعيد بالانتخابات البلدية الأخيرة على هذا الراي بعزوف 4 من 5 من الناخبين ، ولم يشارك فيها سوى أقل من مليوني ناخب، مستنتجا أن ذلك أثر على مشروعية القوى المنتخبة ، اذ  » لا تبنى الديمقراطية على النصوص الدستورية والقانونية فحسب وانما تبنى على المشروعية ».

وتعتبر سلسبيل القليبي في مسألة العملية الانتخابية والديمقراطية عامة وعلاقتها بالمشروعية في تونس، بأن غياب الشعور بالمواطنة أثر في المشاركة في الشأن السياسي وأنتج عزوفا وتقلصا مستمرا لعدد المشاركين من انتخابات الى أخرى.

و انعكس ذلك، وفق المتحدثة على مشروعية الفعل والقرارات وعلى قبول جمهور الناس بالحكم والاصلاحات الجريئة التي كان من المفترض الانطلاق فيها في مختلف الميادين الجبائية والصحية والتعليمية و في مؤسسات الدولة ، وذلك لتقلص المشروعية وهشاشتها.

الأوضاع الاقليمية والدولية 

يحذر حمادي بن جاب الله من « أن البلاد يتهددها خطر كبير، لأنها محاطة بتقلبات ذات اهمية ، ومطامع للقوى الخارجية والدولية في المنطقة  » ، مشيرا الى أن القوى الاقليمية والدولية المعادية للثورة التونسية كثيرة وتترجم عداءها بأشكال مختلفة في الداخل التونسي، قائلا  » هذا المعطى غير جديد ، فقد أحيطت الثورة الفرنسية برفض واسع للقوى الأوروبية ومحاولات عدة لاجهاضها لما مثلته في ذلك التاريخ من خطر على هذه القوى وهو نفس الشأن بالنسبة للانتفاضة التونسية المحاصرة حسب تعبيره بقوى ترفض حرية العقيدة وتكريس الحريات « .

ويرى بن جاب الله أنه يجب التعويل على الذات لتجاوز هذه المخاطر المحيطة والمتربصة بالبلاد، عبر خلق وحدة وطنية تشارك فيها المنظمات الاجتماعية الوطنية التي ساهمت في دحر الاستعمار وبناء الدولة الوطنية وتحصينها.

وفي نفس الاطار تعتبر سلسبيل القليبي أن الأوضاع الاقليمية وخاصة تلك المتعلقة بالمسائل الأمنية أثرت مباشرة في التحول الديمقراطي في تونس مفسرة ذلك بوجود ضغوطات أمنية كبيرة ظلت الشغل الشاغل للدولة التونسية ومؤسساتها طيلة العقد الأخير، وتصدرت المسألة الأمنية وتحصين البلاد ، « أولوية الاولويات » طيلة السنوات الأخيرة ،مما ادى الى تذييل وحجب بقية القضايا الهامة الأخرى المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية و كل سبل الاصلاح الاخرى.

ووفق القليبي، فان تفرد التجربة التونسية، له انعكاس على عدم ارتياح عدد من القوى الاقليمية، لنجاح التحول الديمقراطي في تونس، ولكن قوى عالمية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي عملت على دعم هذه التجربة وتدفع من أجل انجاح التحول الديمقراطي في تونس.

وان تمثل التجربة التونسية استثناء مقارنة بعدد من التجارب الاخرى والمتزامنة معها، فان ذلك لا يعني البتة نجاحها الالي ، فالبلاد تقبع بين سندان غلاء المعيشة وانتشار البطالة و هشاشة الاقتصاد ، ومطرقة الأوضاع الأمنية المضطربة و التهديدات الارهابية المتربصة بها، ليتواصل الانقسام بين متفائلين ومتشائمين بخصوص المستقبل القريب وما ستؤول اليه الأوضاع في البلاد.

بقية الأخبار

ريبورتاج فيديو

podcast widget youtube

الميثاق-التحريري

برامج وخدمات

tmp111

tmp222

تابعونا على الفيسبوك

أحوال الطقس

الميثاق

مدونة-سلوك

radio gafsa