الفلاحة العائلية مكوّن اقتصادي داعم للأمن الغذائي يحتاج الى الإدراج ضمن مخططات التنمية - خبراء

تحرير باسم بدري - تسابق هياكل مهنية مهتمة بالقطاع الفلاحي وخبراء مختصون في الفلاحة، الوقت، في محاولة لإقناع السلطات التونسية بأهمية إدراج الفلاحة العائلية، التي يعمل تحت مظلتها 80 بالمائة من القطاع الفلاحي في تونس، ضمن المخطط التنموي 2026-2030، بما يتيح استغلال خطوط تمويل رصدتها عديد المنظمات الأممية الداعمة لهذا القطاع وفق المنسق الوطني لعشرية الامم المتحدة للفلاحة العائلية بتونس، فتحي بن خليفة.
وتأتي هذه المساعي في وقت بدأت تتوضح فيه ملامح المخطط الخماسي للتنمية، لا سيما بعد انتهاء المرحلة المحلية يوم 22 جوان 2025 والمرحلة الجهوية بحلول 22 جويلية 2025، والتوجه نحو عمليات التأليف بين المقترحات، مع مراعاة السياسات الحكومية التي تخص كل وزارة والتي ستكون ادوات مرجعية للتخطيط المستقبلي على امتداد السنوات الخمس المقبلة.
وتحاول وكالة تونس افريقيا للانباء "وات" في هذا المقال، التعمق في ملف الفلاحة العائلية ومدى الحاجة الى الارتقاء به الى محور من بين المحاور الهامة صلب المخطط الخماسي للتنمية من خلال حوار مع عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والمستشار الاقتصادي لرئيس الاتحاد، فتحي بن خليفة، والخبير الدولي في التنمية الفلاحية، نور الدين نصر.
الفلاحة العائلة : توصية دولية وخطط عمل وطنية
يؤكد نور الدين نصر، الذي كان موظفا ببرنامج الامم المتحدة الانمائي ومنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة، أن مصطلح الفلاحة العائلية ليس جديدا، إذ انطلق الحديث عنه سنة 2014 من طرف منظمة الامم المتحدة. وقد تبين ان هذا القطاع، الذي عقدت بشانه عديد الاجتماعات وأعدت الدراسات، قادرعلى الحد من الفقر وتوفير اهم المنتوجات، خاصة بعد ان تجلى ان 80 بالمائة في العالم تعد فلاحة عائلية مقابل 20 بالمائة تعود الى الفلاحة الكبرى او الشركات وغيرها.
ودفعت هذه الخصوصية، التي ميزت الفلاحة العائلية، منظمة الامم المتحدة الى الاعلان عن عشرية الفلاحة العائلية، 2019 - 2028، وكلّفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" والصندوق الدولي لتنمية الزراعة "إيفاد" بمساعدة الدول على وضع خطط عمل وطنية للفلاحة العائلة تغطي عشر سنوات وتتضمن التحسيس بأهميتها وتأمين المشورة والارشاد الى جانب تثمين المنتوجات والمساعدة في النفاذ الى الأسواق علما وان هذه التوجهات مرتبطة بأهداف التنمية المستديمة.
وتمكنت تونس في خضم هذه التوجهات والتوصيات العالمية من الشروع في اعداد المخطط الوطني للفلاحة العائلية منذ 29 اكتوبر 2021، خلال تظاهرة اقيمت بالصالون الدولي للفلاحة بالكرم، حيث وقع عرض التوجهات العامة لهذا المخطط، وفق نصر وبن خليفة.
الفلاحة العائلية في تونس: خطة العمل الوطنية التونسية 2022-2030
أكّد نصر، أنّ خطّة العمل الوطنية للفلاحة العائلية في تونس تعدّ، من أهم الانجازات، ذلك ان عدد المخططات الوطنية للفلاحة العائلية التي تم انجازها في العالم ناهرت 100 مخطط وطني، وقد تمت، حتّى الآن، المصادقة على 16 مخطط منها، فقط، من بينها الخطة الوطنية لتونس.
وقال إنّ تونس وضعت لبنة خطة العمل الوطنية للفلاحة العائلية في تونس منذ أواخر سنة 2021، وذلك من خلال التّوصل الى إمضاء اتفاقية في المجال والعمل على تنفيذ المخطّط عبر شراكة مع منظمة الـ"فاو" وصندوق "إيفاد" بالتعاون مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مع تكليفه بخطة منسق اعداد الخطة.
ولاحظ انه تم يوم 29 اكتوبر 2021، ضبط المهام ومختلف الهياكل المتدخلة في اعداد المخطط، على غرار تعيين نقطة اتصال على مستوى كل وزارة لتنسيق الافكار مع اتحاد الفلاحين الى جانب تركيز نقاط اتصال في الولايات واعداد لجنة وطنية لاعداد المخطط ولجان اخرى جهوية.
وذكّر في هذا الصدد، بانه جرى عقد عديد الاجتماعات وتأليف الافكار خلال اجتماعات جهوية إقليمية، أفضت الى اعداد وثيقة شاملة وكاملة مع موفى 2021. وتقوم الخطة التونسية، وفق الخبير نصر، قائم على 7 محاور تتمثل في تحسين القدرات الإنتاجية وتطوير سلاسل القيمة وتعزيز القدرة التنافسية وتنمية الموارد البشرية وتحسين ظروف العيش في المناطق الريفية وحماية الموارد الطبيعية وتعزيز دور المرأة الريفية.
في المقابل تواجه الفلاحة العائلية جملة من التحديات ولا سيما عدم وجود اعتراف بالفلاحة العائلية، ذلك ان عملية الاقراض والتمويل تذهب الى الزراعات الكبرى، كما تواجه المستغلات الفلاحية العائلية صعوبات في النفاذ الى التمويل والحصول على المعلومة.
وسعى القائمون على اعداد خطة العمل الوطنية الى العمل على تطوير وضع ملائم وداعم لمفهوم الفلاحة العائلية، من خلال اطلاق عملية الاحصاء الزراعي للحصول على معطيات حول هذا النشاط ، الذي يضطلع بدور هام في حماية التربة من الانجراف وضمان التنوع البيولوجي وتوفير قائمة منتوجات لا توفرها الزراعات الكبرى، مثل الخضر الورقية ومواد اخرى محلية على غرار البيض والعسل.
وتدفع خطة العمل الوطنية للفلاحة العائلية في تونس في اتجاه تقليص الفجوة على مستوى رفض الأبناء، الشباب، ممارسة النشاط الفلاحي داخل مستغلات الآباء والتهرب من زراعة الارض بفعل عدم توفر العائدات الملائمة وغياب التمويل وبالتالي السعي الى ايجاد ادوات تسويق جديدة ضمن علامات وتنويع القاعدة الانتاحية.
وتهتم خطة العمل الوطنية للفلاحة العائلية في تونس، حسب نصر، ايضا، بالمساواة بين المرأة والرجل في مزاولة النشاط الفلاحي على مستوى المستغلات العائلية ومزيد دفع دور المرأة خاصة في المجتمعات الريفية في النشاط الفلاحي وتشجيعها على التملك، لا سيما ان نسبة تملك المرأة في العالم او في تونس لا تتخطى 14 بالمائة من الاراضي. وقد اثبتت المحاولات على مستوى توفير المقاسم الفلاحية نجاح المرأة في ممارسة النشاط الفلاحي العائلي.
وواجهت هياكل المهنة، وفق الخبير، صعوبات بفعل المنافسة من كبار المزارعين مما يتطلب التوجه نحو التكتل والتعاضد بين اصحاب الاراضي الصغيرة واصحاب المستغلات العائلية بما يمكن من تلافي المنافسة السرشة والقيام بعمليات الشراءات المجمعة للمعدات وللمواد المستخدمة بما يقلل من الكلفة.
وتحاول الخطة الوطنية للفلاحة العائلية ايجاد حلول للتحديات المرتبطة بتغير المناخ والتحديات الاقتصادية والاجتماعية الى جانب ربط الفلاحة مع المنظومات الغذائية الجديدة والعمل على التأقلم مع تغير المناخ خاصة وان توصيات منظمة الـ"فاو" تصبّ في هذا الاتجاه، وفق نصر.
واعتبر بن خليفة، من جانبه، ان الاحصائيات تظهر ان الفلاحة في تونس تتميز بهيمنة المستغلات الصغرى، وتقل مساحة 75 بالمائة منها عن 10 هكتارات "هك"، ولا تمثل سوى 25 بالمائة من المساحة الزراعية، وتمثل المساحات التي تزيد عن 50 هك قرابة 4 بالمائة وتحتل 35 بالمائة من المساحة الزراعية.
وأضاف ان المستغلات الصغيرة اي التي تقل عن 10 هك تساهم بشكل كبير في الانتاج الزراعي، ذلك انها تخصص 35 بالمائة للاشجار المثمرة و55 بالمائة للخضراوات و20 بالمائة للبقوليات و23 بالمائة للحبوب.
ويرى بن خليفة ان الفلاحة العائلية في تونس تواجه عديد التحديات على غرار تجزئة الاراضي، الذي انخفض من 2ر16 هك سنة 1962 الى 3ر10 هك سنة 2004، اي بتقلص بنحو 36 بالمائة، وقد تأثرت المستغلات الصغيرة بتشتت الاراضي .
وأكد ان تونس تعاني من ارتفاع نسبة الفقر في الارياف والتي بلغت مستوى 6ر26 بالمائة مقابل 10 بالمائة في المناطق الحضرية، وذلك نظرا لنقص الانشطة الاقتصادية خارج الزراعة الى جانب ندرة الموارد المائية، ذلك ان 8ر76 بالمائة من المستغلات العائلية تعتمد نظام الزراعة البعلية الى جانب غياب استراتيجية لهذا القطاع.
المخطط التنموي: بريق أمل لانقاذ أساسي للأمن الغذائي
يرى الخبير نور الدين نصر، ان خطة العمل الوطنية للفلاحة العائلية في تونس رغم جاهزيتها منذ ديسمبر 2021، الا انه لم يتم الاهتمام بها في السنوات التي تلت اعدادها، خاصة وانه لم يكن هناك مخطط للتنمية بالمعنى المنهجي للكلمة.
واستدرك مضيفا ان المخطط الخماسي، الذي تعكف الحكومة على اعداده، حاليا، وفق مقاربة تنطلق من المحلي في اتجاه المركز، يمكن ان يشكل بارقة امل لمستقبل الفلاحة العائلية في تونس، ذلك ان منحها الحضور ضمن مخططات الدولة سيتيح امكانية النفاذ الى تمويلات دولية عالقة تقدمها عديد الجهات والصناديق المتخصصة في التنمية والزراعة ومكافحة الجفاف.
ودعا نصر وزارات الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والبيئة واملاك الدولة والشؤون العقارية، الى الاهتمام بالفلاحة العائلية وادراجها ضمن السياسات العامة لهذه الوزارات والتي ستأتي على شكل خطوط عريضة لاحتواء مختلف المشاريع التي سيتم تقديمها من قبل المجلس المحلية والجهوية والاقليمية، مبينا انه كلما تضمن المخطط الخماسي للتنمية محورا او حيزا مخصصا للفلاحة العائلية كلما كان الأمر متناسقا مع سياسة التمويل الدولية الموضوعة في المجال والتي يحتاجها الفلاح لتطوير قدراته والدولة من اجل ضمان تنافسية القطاع الفلاحي على المستوى العالمي.
ولفت المتحدث، في سياق متصل، الى ان المخطط الوطني للفلاحة العائلية يعد نموذجا على المستوى العالمي، ويتم تقديمه في العديد من الدول لتسهيل عملية اعداد مخططاتها الوطنية في هذا المجال، خاصة وانه تم اعداده في ظرف وجيز واستجاب لمختلف التوصيات المتعلقة بالاستدامة.
واكد خليفة، من جانبه، ان الفلاحة العائلية التونسية تمتلك عديد عناصر القوة على غرار الانتشار الواسع على امتداد البلاد وتوفير فرص العمل الى جانب تجذرها في التقاليد العائلية للتونسيين. كما تعد مكونا اساسيا للامن الغدائي في تونس وتتميز بتنوعها البيولوجي وامتلاك معارف التأقلم مع التغير المناخي والقدرة على الحفاظ على المحاصيل والاصناف المحلية.
واعتبر انه يمكن لتونس، من خلال تضمين الفلاحة العائلية في المخطط التنموي المقبل، الاستفادة من التعاون الدولي لدعم هذا النشاط، والذي يمكن ان يتأتّى من عدّة مصادر كمنظمة الـ"فاو"، التي تقدم دعما تقنيا وفنيا للفلاحة العائلية عبر عديد البرامج على غرار برنامج التعاون التقني لدعم تطويرالزراعة الصغيرة والتنمية المحلية.
ويدعم الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وفق بن خليفة، الزراعة العائلية، من تمويل مشاريع التنمية الريفية والزراعية على غرار مشروع التنمية الزراعية المتكاملة، ويقدم المنتدى الريفي العالمي الخبرات والمبادئ التوجيهية في حين توفر برامج التعاون متعدد الاطراف على غرار برنامج "ارادة" وغيرها مجالات واسعة للتعاون في مجال حماية المستغلات الصغيرة.
المخطط الخماسي : مواعيد مضبوطة وسياسات واضحة
يتقدم اعداد المخطط الخماسي للتنمية بشكل طيب، وفق تصريحات أدل بها وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، مؤخرا، مؤكدا انه تم الانتهاء من المرحلة الهامة في اعداد المخطط مع موفى شهر جوان الماضي باعداد 279 مخطط محلي والتي سيتم التأليف بينها وبين التقارير الجهوية
من جهته، توقع الكاتب العام لوزارة الاقتصاد والتخطيط، فوزي غراب، في تصريح لـ"وات" يوم 24 جوان 2025، ان تكون الوثيقة الاولية للمخطط التنموي 2026-2030، جاهزة قبل موفى 2025 على ان يتم النظر فيها من طرف المجلسين النيابيين مطلع عام 2026، باعتبار عدم التنصيص على آجال دستورية بالنسبة للمخطط.
وافاد غراب ان المخطط التنموي يتطلب تضافر جهود الجميع وابداء نوع من الحماس والشعور بالوطنية، لمشاركة الجميع حتى يكون وثيقة تعبر عن رغبات المواطن وتطلعاته.
ويراهن المهتمون بالفلاحة العائلية على الاقناع بضرورة ‘دراج هذا القطاع ضمن هذه الوثيقة فهل ستكون الفلاحة العائلية حاضرة في المخطط الخماسي 2026-2030 ؟ وهل ستدفع الدولة في اتجاه فلاحة عائلية اكثر تطورا ومردودية ؟