اسعار النفط الحالية في السوق الدولية متقلبة ولا تتيح العمل بآليات تعديل استهلاك الوقود، رغم اثرها الايجابي الحيني على ميزانية الدولة - بسام النيفر

أكد المحلّل الاقتصادي والمالي، بسّام النّيفر، أنّ تراجع اسعار النفط في السوق الدولية أمر إيجابي لتونس، بيد أنّ تقلّب السوق وغياب الاستدامة لا يتيح تخفيض أسعار الوقود، حاليا، ولا يمكن أن يكون مفيدا .على المدى البعيد خاصة إذا أفضى الى ركود على مستوى الاتحاد الاوروبي الذي يستقطب 70 بالمائة من الصادرات التونسية
ولاحظ النّيفر، في حوار أدلى به لوكالة تونس افريقيا للانباء "وات"، حول ملف تراجع اسعار البترول في السوق العالمية، وانعكساته المحتملة على ميزانية الدولة للسنة الحالية والسنوات المقبلة، انه يتعين على الحكومة التّريث بشان اعداد قانون مالية تعديلي خاصة وان الساحة العالمية تعيش على وقع عديد المتغيرات المرتبطة بما يعرف بحرب الرسوم الجمركية وانتظار استقرار .الاسواق الدولية المتصلة بعديد المجالات
وات - واجهة أسواق النفط العالمية، خلال الفترة الأخيرة تقلّبات سعرية معتبرة، ما هي العوامل الأساسية التي تتحكّم في مستوى هذه الأسعار؟
النيفر- تشير البيانات المتعلقة بتداول النفط في السوق العالمية الى ان الاسعار ستتواصل اقل من 77 دولارا للبرميل، وهذا ما يعني إنفاقا أقلّ لتونس. ويعود، بالاساس، الى ان تونس برمجت ميزانية الدولة لسنة 2025 على فرضية قائمة تنص على اعتماد معدل سعر البرنت عند هذا المستوى، والذي ساهمت العوامل المسجلة خلال الفترة الاخيرة وخاصة الرسوم الجمركية التي وضعها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل ان يقدم على تعليقها لفترة 90 يوما باستثناء الصين، في تراجعه الى مستويات متذبذبة بين 63 و64 دولارا للبرميل.
وأريد ان اؤكد ان الاضطرابات في اسواق النفط العالمية، وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية على المستوى العالمي، ستبقي اسعار الخام في السوق الدولية على منحي الانخفاض والذي سيكون له انعكاس ايجابي على ميزانية الدولة التونسية من خلال اتاحة الفرصة لانفاق اقل لا سيما وان الميزان الطاقي، يعد من بين اهم العوامل المساهمة في العجز التجاري للبلاد، ويكبّدها خسائر كبيرة، الى جانب استنزاف احتياطي العملة الاجنبية نظير توريد الطاقة وتخصيص دعم مالي لهذا القطاع.
وأعتبر ان تراجع اسعار النفط في السوق العالمية، وخاصة على المدى القريب، امر ايجابي لا سيما وانه بالرجوع الى تقرير ميزانية الدولة لسنة 2025، نجد ان تراجع سعر برميل البرنت في السوق العالمية بدولار امريكي ينعكس ايجابيا على ميزانية الدولة بنحو 162 مليون دينار كما ان كل زيادة بـ10 مليمات في سعر صرف الدينار تساهم بنحو 52 مليون دينار على مستوى
نفقات الدعم، وعليه يمكن القول ان تونس، تستفيد حاليا على مستوى تراجع اسعار النفط وكذلك على مستوى سعر صرف الدينار مما يعد امرا ايجابيا.
لكن أودّ الاشارة الى ان ميزانية الدولة، لا تقتصر، فقط ،على تداول اسعار النفط، بل تقوم على مكونات اخرى من بينها الموارد الجبائية والحركية الاقتصادية وتوليد الثروة، لتوفير الموارد على المدى البعيد. واليوم نلاحظ وجود بوادر على ان الاقتصاد العالمي يسجل تراجعا خاصة على مستوى الاتحاد الاوروبي الشريك الاقتصادي لتونس، والذي يمتص 70 بالمائة من الواردات التونسية، مما سيؤثر على الاداء التصديري للشركات التونسية، خاصة وانه بالنظر الى قائمة المنتوجات المصدرة نجد الصناعات الميكانيكية والكهربائية والتي تعد الاكثر عرضة الى حرب الرسوم الجمركية.
هذه الوضعية يزيد من حدّتها تراجع عائدات تصدير زيت الزيتون خلال سنة 2025 مقارنة بالعام الماضي، مما يؤثر على الميزان التجاري الغذائي والميزان التجاري بشكل عام، وستفضي الوضعية المرتبطة بتقلب اسعار الطاقة عالميا على المستوي البعيد الى نمو اقتصادي عالمي ضعيف، وكذلك، الى ضعف النمو الاقتصادي لتونس، الذي سيؤدي بدوره الى التأثير على المداخيل الجبائية لسنة 2025 وللعام المقبل وخاصة المتأتية من ارباح المؤسسات.
وبالتالي يمكن القول ان تراجع أسعار النفط في السوق العالمية ستكون له آثار إيجابية حينية على تونس، ولكن على المدى البعيد فان سعر نفط ضعيف في السوق الدولية سيفضي الى اقتصاد عالمي ضعيف، وهذه الوضعية لن تكون في مصلحة تونس .
وات - ماهي تداعيات انخفاض أسعار النفط على تونس كوجهة استهلاكية مورّدة، ومستهلكة للطاقة؟
النيفر - سيكون لاسعار النفط في السوق الدولية تأثير حيني على مستوى الإنفاق الحكومي والدعم الموجه للطاقة، لكن الوضعية قد تؤثر على المداخيل لسنتي 2025 و 2026، إذ انه كلما انخفضت اسعار النفط، تراجعت ارباح الشركات، وبالتالي الضريبة على الارباح التي تساهم في تمويل ميزانية الدولة. علما وان اسعار النفط ستدفع الشركات العاملة في مجال البترول او التنقيب
الى العزوف عن عمليات التنقيب خاصة في المشارعي الاقل ربحية وبالتالي فان تراجع اسعار النفط في السوق العالمية ليس بالعامل المشجع للاستثمار في قطاع النفط، مع العلم ان تونس تسجل تراجعا لهذه العمليات.
وات - وزيرة المالية كشفت مؤخرا عن وجود خطط لمراجعة ميزانية الدولة لسنة 2025،ماهي المجالات التي ترونها جديرة بالمراجعة او تقترحون مراجعتها ؟
النيفر - اشير الى نقطة مهمة، ألا وهي اننا في تونس لم نعتد على إعداد قوانين مالية تعديلية خلال الاشهر الاولى من السنة المالية بل ان الأمر يكون خلال الاشهر الاخيرة، ولكن بالعودة الى الفرضيات نلاحظ، انه لا يوجد تغيير كبير اذ ان اسعار النفط المتداولة حاليا والتي تشهد تراجعا ستعود بالفائدة على ميزانية الدولة وهي دون الفرضية المرسومة ضمن قانون المالية الاصلي ولا توجد، ايضا، لدى تونس مشكلة متصلة بالتداين الخارجي او الداخلي تدفع نحو اعادة مراجعة قانون الميزانية الاصلي.
لكن في المقابل، توجد نقطتان جديرتان باعادة النظر أولهما النمو الاقتصادي المرتقب عند مستوى 2ر3 بالمائة، والذي يعد صعبا في ظل الوضع العالمي المتقلب وثانيهما مراجعة كتلة الاجور في ظل الانتدبات المخصصة للمعلمين النواب، ولكن بصفة عامة لا توجد فوارق جوهرية بين قانون المالية الاصلي او اي قانون مالية تعديلي مرتقب.
ويمكنني القول انه ربما لدى وزارة المالية معطيات او بيانات، تدفعها الى مراجعة قانون المالية الاصلي لسنة 2025، لكن المعلومات المتوفرة للعموم لا تدفع باتجاه اعداد قانون مالية تعديلي خلال الفترة الاولى من العام المالي. ويمكن تأجيل الامر الى ان تتضح الرؤى الاقتصادية لكن لا نعد قانونا تعديليا وتدفعنا متغيرات اخرى الى اعداد قانون تعديلي أواخر السنة الحالية وبالتالي لا يوجد امر مستعجل لوضع هذا القانون الا اذا كان هناك تغير جذري في برامج الدولة والا فانه يمكن التريث لتبين الاوضاع على المستوى الدولي.
وات - ضمن بوتقة الاهتمام بالجانب الاجتماعي للمواطن، الا ترون انه يمكن للدولة، عبر اللجنة الفنية للتعديل الآلي للمحروقات تقديم توصية ما في صالح المستهلكين ؟
النيفر - اشير الى نقطة مهمة، الا وهي ان الدولة ستحقق ولا شك، حاليا، ارباحا على مستوى توريد البترول، لكن الامر ليس جديدا، فقد استفادت ميزانية الدولة العام الماضي من اسعار النفط في السوق العالمية والتي لم تتجاوز سقف الفرضية الموضوعة لسنة 2024، الامر الذي ساهم في تنفيذ الميزانية بشكل مريح وخفف من الضغوط.
لكن هل ان هذا التخفيض المسجل حاليا كفيل بتخفيض اسعار الوقود؟ لا اعتقد ان الامر ناجع في الوقت الحالي خاصة اذا ما علمنا ان الدولة لم تقم منذ سنتين تقريبا باي زيادة في اسعار الوقود والمشتقات النفطية، في اطار سياسة اجتماعية، متحمّلة كلفة اكثر على مستوى الدعم، دون اثقال كاهل المواطن.
وبالتالي يمكن ان اقول ان المقاربة تتمثل في تحمّل اعباء زيادة الاسعار في السوق العالمية عبر دعم الاستهلاك المحلي والابقاء على الاسعار وايضا الاستفادة قدر الامكان من تراجع الاسعار دون اعادة تفعيل آلية تعديل اسعار المحروقات خاصة وان انخفاض اسعار الخام في السوق الدولية خاضع الى تغيرات جيو استراتيجية وغير مستدام ومتقلب ويمكن ان يعود الخام الى
الارتفاع مرة اخرى
ساضيف نقطة اخري تتثمل في ان تخفيض اسعار المحروقات على السوق الداخلية يمكن ان يكون له انعكاس سلبي على مداخيل تسويق المحروقات ومن المتوقع ان تصل سنة 2025 وفق قانون المالية قرابة 587 مليون دينار مقابل 457 مليون دينار تم تحقيقها سنة 2024 ، ، وبالتالي فان الجباية المتعلقة بهذه الشركات والتي ستظهر نتائجها العام المقبل ستشهد تراجعا مما يؤثر على مداخيل الميزانية وبالتالي فان الوقت يعتبر مبكرا لاتخاذ قرار متعلق بسعر بيع المحروقات في السوق الداخلية، ويتعين ان ننتظر، الى ان تستقر الاسعار في السوق العالمية مما يتيح للدولة هامش تحرك افضل.