إعادة فتح المتحف الروماني والمسيحي المبكّر بقرطاج بعد أشغال صيانة شاملة

افتُتح مساء اليوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025 المتحف الروماني والمسيحي المبكّر بقرطاج درمش بعد أعمال تجديد واسعة انطلقت في أفريل 2024، وذلك بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي وعدد من الإطارات العلمية من المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والخبراء المشاركين في إعداد المتحف وممثلين عن السفارات المعتمدة بتونس.
وبحسب الكتيْب المرفق كدليل للمتحف وأشرف على إنجازه الباحثان نجيب بن لزرق وسهام علوي، فإن هذا المتحف في صيغته الجديدة، يعتبر محطة بارزة لفهم تطور قرطاج خلال الفترتين الرومانية المتأخرة والمسيحية المبكرة، إذ يعرض مكتشفات أثرية موثقة ترتبط بالعمارة الدينية والفضاءات المدنية والممارسة الروحية في تلك المرحلة.
وقد تأسس المتحف لأول مرة سنة 1984 في إطار الحملة الدولية لإنقاذ قرطاج التي أطلقتها اليونسكو، وشارك في إنشائه عدد من المؤسسات العلمية من بينها متحف كلسي بجامعة "ميشيغن" تحت إشراف المحافظ التونسي عبد المجيد النابلي وعالم الآثار الأمريكي "جون هانفري" بدعم مالي من مؤسسة Earthwatch، وبتصميم هندسي لكل من "باتريك أنسلم" و"إيمانويل باليغيي" وإعداد للعرض المتحفي من قبل "جيمس ريتشرسن". ومنذ نشأته، تفرّد المتحف بكونه يعرض نتائج الحفريات العلمية مباشرة من موقعها الأصلي الأمر الذي جعله مرجعا بحثيا مهما.
// رحلة عبر 4 قرون من تاريخ قرطاج المسيحية
ويقع المتحف بقرطاج درمش في الضاحية الشمالية للعاصمة، وهو موقع ثري بالطبقات الأثرية التي تكشف تطور المدينة في فترات متعاقبة. ويضم المتحف في نسخته المحدثة مسارا متكاملا للزيارة، فهو يتيح للزائر اكتشاف الكنيسة البيزنطية الكبرى التي يبلغ طولها أكثر من 36 مترا وعرضها 25.5 مترا. وهي كنيسة ذات خمس بلاطات وثماني حنايا تتزين أرضياتها بفسيفساء هندسية نُفذت بعض عناصرها في القسطنطينية وجُلبت إلى قرطاج. وقد بُنيت هذه الكنيسة فوق مبنى كنسي أقدم يعود إلى نهاية القرن الرابع، وهو ما يظهر جليا في طبقات الردم والعناصر المعمارية المكتشفة خلال الحفريات.
كما يُعدّ حوض المعمودية من أبرز المنشآت المعروضة، إذ يتميز بتخطيط مربع ذي نواة مثمنة وحوض مركزي على شكل صليب، يحيط به رواق دائري وأعمدة لولبية من رخام شمتو، ما يعكس الأهمية الروحية التي كانت توليها الكنيسة لطقس العماد في تلك الفترة، بحسب الباحثين نجيب بن لزرق وسهام علوي. كما يكشف المتحف عن مجمّع كنسي متكامل اكتُشف بين 1976 و1984 يضم غرفا سكنية وورشات صغيرة وآبارا وصهاريج وممرات مرتبطة بالشبكة الحضرية لقرطاج، ويعكس استمرارية الاستعمال البشري للموقع حتى ما بعد الفتح العربي.
ويحتضن المتحف قطعتين فسيفسائيتين نادرتين للطاووس، إحداهما اكتُشفت بين سنتي 1970 و1971 والأخرى سنة 1984، وهما من أجمل الفسيفساء المسيحية التي ترمز إلى الخلود والحياة الأبدية.
ويعرض المتحف أيضا مجموعة واسعة من الفخار، من بينها فخار الموانئ البونية وفخار درمش الذي عثر عليه بالموقع نفسه، إلى جانب قطع معدنية وبرونزية ونقود قديمة أقدمها عملة بونية تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد تحمل رمز الحصان الشهير. كما يضم المتحف تمثال "غانيميد المختطف من زوس"، وهو عمل رخامي فريد من نوعه عالميا أعيد تجميعه بعد العثور عليه مكسّرا إلى 17 قطعة.
// وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي: "متحف صغير في حجمه… كبير ببحوثه"
وأكدت وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي في تصريح إعلامي أن إعادة افتتاح هذا الصرح يمثل دعما لمسار تثمين التراث، معتبرة أن المتحف صغير في حجمه لكن كبير في قيمة بحوثه وما يحتويه من شواهد حضارية. وأشارت إلى أن الوزارة تعمل على إعادة فتح المتاحف المغلقة في مختلف الولايات وتعزيز التعاون مع وزارة السياحة للترويج للسياحة الثقافية وإدراج التراث ضمن المناهج التعليمية.
من جهتها، أوضحت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ربيعة بلفقيرة أن الوكالة سجلت خلال سنة 2024 حوالي مليون زائر تونسي وأجنبي، وتطمح إلى بلوغ مليون ونصف زائر سنة 2025، مؤكدة ضرورة تطوير المسالك السياحية المشتركة مع وزارة السياحة والصناعات التقليدية لاستقطاب جزء أكبر من 11 مليون سائح يزورون تونس سنويا.كما أعلنت عن مشاريع إضاءة فنية بعدد من المواقع، أبرزها مسرح الجم إضافة إلى مسارات زيارات ليلية في عدة مدن.
وأفادت الدكتورة سهام علوي، وهي عضو في الفريق العلمي للمتحف، بأن المتحف أغلق لمرتين سابقا، مضيفة أن فريق العمل حرص في إعادة افتتاحه لسنة 2025 على استرجاع جميع القطع التي كانت محفوظة في مخازن بيرصا، والتي يناهز عددها 400 قطعة، فضلا عن إعادة المتحف إلى صيغته الأصلية لسنة 1984 مع إضافة أقسام جديدة.
كما أفاد المدير العام للمعهد الوطني للتراث طارق البكوش أن عملية إعادة تهيئة المتحف بلغت كلفتها نحو 600 ألف دينار، مؤكدا أن المعهد يعمل على إعادة فتح عدد من المتاحف التي أغلقت سابقا، إلى جانب تطوير فنّ وتقنيات عرض المقتنيات داخل المتحف وإعادة تثمين المجموعات المتحفية.
وتجدر الإشارة إلى أن المتحف يفتح أبوابه طوال أيام الأسبوع، ويمكن للزائر الدخول بـ "بطاقة قرطاج" الموحدة التي تخول زيارة كامل المواقع الأثرية بالمنطقة، مع مجانية الدخول يوم الأحد الأول من كل شهر وأثناء الأعياد الوطنية الرسمية ويوم 18 أفريل الموافق لليوم العالمي للمواقع والمعالم ويوم 18 ماي الموافق لليوم العالمي للمتاحف.
وكان المتحف أغلق عدة مرات للتهيئة من ذلك سنة 2010 ثم سنة 2013 فقد أعيد فتحه في جوان 2021 بعد أن أغلق لسنوات على إثر سرقة تمثال "غانيماد" التاريخي بعد سرقته عام 2013 وتم العثور على هذه القطعة الفريدة واسترجاعها سنة 2017 . وأغلق المتحف أبوابه من جديد للخضوع إلى أشغال صيانة وترميم في مارس 2024 .وخضع انذاك لأشغال داخلية كما تمت تهيئة المخزن ومكتب المحافظ في أكتوبر 2024، إلى جانب أشغال تبليط وتهذيب الرصيف الخارجي المحيط بالمتحف خلال شهر نوفمبر 2024 ، بكلفة جملية قدرها 304 ألف دينار.




8° - 15°





