بين شوارع بيكين وأوروبا : تونس الجسر الذكي في حرب عمالقة صناعة السيارات

هناك، في شوارع بكين وشنغهاي، حيث تبتلع التكنولوجيا الأسماء الكبرى وتصنع الصين قدرها بيدها، امام حذر امركي وأوروبي كنت أتساءل بمرارة الصحفي وعاطفة الابن: "أين تونس من هذا الزحام الكوني؟".
لكن، وبعد جولة ميدانية في قلب مصانع تونس وسوسة وبنزرت، اكتشفتُ أن الإجابة كانت تحتاج لعينٍ لا تكتفي بالقشور.
اكتشفنا ضمن دورة تكوينية وجولة تعريفية نظمتها الجمعية التونسية للسيارات (TAA) بالشراكة مع وزارة الصناعة والمناجم والطاقة وبالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) ان "قواعد لعبة" جديدة تُكتب بأياد تونسية.
صناعة مكونات السيارات في تونس بلغة الأرقام
بينما نستورد سيارات وقطع غيار للسوق المحلية بما قيمته 800 مليون اورو، نقوم بتصدير "ذكاء تونسي" في شكل مكونات إلكترونية وميكانيكية بقيمة تتجاوز 4 مليارات اورو.
هذه المعادلة ليست مجرد نجاح تجاري، بل هي ضخٌ مستمر للعملة الصعبة في عروق البنك المركزي.
فالقطاع تقوده 300 شركة في تونس يعمل بها 120 الف شاب تونسي وتضخ أربعة أضعاف ما يستهلكه، بنمو سنوي قدره 16%، ليساهم بـ 6% من إجمالي ثروة تونس الوطنية.
من "اليد العاملة" إلى "العقل العامل"
تغيرت "جغرافيا التصنيع" ولم نعد تلك "الورشة الخلفية" التي تبحث فيها الشركات الاوروبية عن "يد عاملة رخيصة" لتجميع خيوط الكهرباء.
نحن نعيش اليوم "ثورة صامتة"؛ حيث انتقل المهندس التونسي من مرحلة "تركيب القطعة" إلى مرحلة "تصميم النظام".
في المصانع التي زرناها، وجدنا عقولاً تونسية تصمم أنظمة الملاحة، وتبرمج الذكاء الاصطناعي، وتشرف على "الشريان الكهربائي" للسيارات التي ستجوب شوارع برلين وباريس بعد عامين.
نحن نمتلك نسبة إدماج محلي تصل إلى 42%، ونطمح لرفعها إلى 48%، ما يعني أن نصف السيارة الأوروبية الحديثة، "قلبها وعقلها" تونسي بامتياز.
تونس.. "الوسيط المحايد" في حرب العمالقة
تونس اليوم تلعب دور "الجسر الذكي" في الحرب التجارية المشتعلة بين الصين وأوروبا وأمريكا.
تونس اليوم هي "المنطقة الرمادية الذكية" التي يهرب إليها المستثمرون من الضرائب المرتفعة حيث نقدّم جودة عالمية وتكاليف تنافسية، ونعمل كبوابة عبور للصناعات الآسيوية نحو الأسواق الغربية خاصة ان مواصفات التونسية تحترم المعايير الدولية.
رؤية 2030: نحو "المدينة الذكية"
الحلم التونسي لم يتوقف عند حدود المصنع، بل يمتد نحو مشروع "Automotive Smart City". وهي منطقة صناعية ذكية على مساحة 200 هكتار، تطمح لخلق 150 ألف موطن شغل إضافي. هذا المشروع يمثل رهان تونس على "توطين الذكاء"؛ حيث لا نكتفي بصناعة الأجزاء، بل نتحول إلى مركز إقليمي للبحث والتطوير.
والمستقبل لا ينتظر المترددين، وتونس اليوم، عبر قطاع مكونات السيارات، تثبت أنها قادرة على قيادة القاطرة، قطعةً قطعة، وعقلاً بعقل. وهي بلد يملك "المفتاح" في سوق دولية لا ترحم الضعفاء نحن لا نصنع أجزاء السيارات فحسب.. نحن نصنع هيبة الدولة في موازين القوى العالمية.
ضياء الدين الكريفي.




7° - 15°








